أ.د. عبدعلي كاظم المعموري
لا أحد ينكر مطلقاً حقائق التاريخ، في أن الكويت طوال تاريخها الذي منحته لها بريطانيا وإدامته الولايات المتحدة، ظلت تكن حقداً دفيناً ضد العراق، وسعت بكل ما أوتيت من قوة الأخرين إلى إلحاق الأذى به وأضعافه وحتى تقسيمه، وهي دولة صغيرة المساحة والسكان، استحدثتها بريطانيا ليكون لها دوراً لاحقاً في خدمة الهيمنة الغربية من موقع الضعيف التابع وغير القادر على حماية نفسه، وهذا ديدن الاستعمار البريطاني في خلق بؤر التوتر المستقبلية والمشكلات للعديد من الدول (العراق والهند وغيرها).
وبرغم من أن الذاكرة العراقية والعربية بشكل عام ذاكرة مثقوبة، إلا أن العودة للتصريحات التي كانت تعج بها القنوات التلفزيونية للعديد من المسؤولين وحتى المحسوبين على الأكاديميين، والتي لم تقيم وزناً للجوار والأصول والترابط، وحتى العروبة رفضوها ونددوا بكل شيء، وتماهى العديد من السياسيين العراقيين مع الكويتيين تحت مسوغ غزوهم من قبل النظام السابق، ولم يلتفت أحد مطلقاً إلى تاريخ السلوك السياسي والاقتصادي الكويتي مع العراق، بدءاً من تقديم الرشى عام 1963 وتأييد اسقاط حكومة عبد الكريم قاسم والتآمر عليه، إلى اعتماد سياسة القضم والزحف على الحدود، والحفر المائل للوصول إلى الآبار النفطية العراقية الحدودية والمشتركة، واستغلال تحالفهم مع الولايات المتحدة لإصدار القرارات التي سلبت الأراضي العراقية، وصولاً إلى خور عبدالله، وقاموا ببناء ميناء مبارك لخنق فرص العراق في النقل البحري، مستفيدين من نسج بعض العلاقات النفعية مع شخوص سياسية وتنفيذية من المدخل الذي تجيد الكويت اللعب فيه؟؟.
وبرغم كل ما تسبب للعراق من الكويت من أضرار وأثار بعضها بسبب سلوك النظام السابق، والأخر هو منغرس في العقلية والذهنية الموغلة في الحقد. حتى مع تغير الأوضاع السياسية في العراق، ومع ما أضيف من أراضي استولت عليها الكويت بمباركة الولايات المتحدة والأمم المتحدة، لم يحاول الكويتيين تعديل نهجهم إزاء العراق وفتح صفحة جديدة قائمة على التعاون والتجاور والمصالح والحرص على الاستقرار وعدم التدخل.
ومع التوجهات العالمية والإقليمية نحو أنشاء ممرات برية وبحرية لدعم الترابط الاقتصادي والتجاري، وتوسيع الأسواق، وضع الممر الهندي – الإماراتي- السعودي – الإسرائيلي- الأوربي، بجانب طريق التنمية العراقي وعدم انضمام العراق لطريق الحرير الجديد، الكويت في خانق ضيق جداً، بل وهمش دورها برغم وجودها في شمال الخليج، وادركت أن هذين الممرين العراقي والهندي أخرجاها من معادلة الجيوبولتيك الاقتصادي.
لقد حاولت الكويت مذ اقرارها ميناء مبارك على استحداث إقليم البصرة، حتى يكون متاحاً لها التعاون في مجال الربط السككي بسهولة ويسر، وتلجم فرص أنشاء ميناء الفاو، وهذه العقلية هي عقلية لم تنزع عنها الطبيعة التأمرية المشحونة بالإيذاء المتعمد للعراق ومصالح شعبه، ولم تخبو فيها نار الحقد والضغينة والانتقام والتشفي.
لقد اخطأت الكويت في تقدير الموقف، عندما سعت لتحين الفرصة في ضعف العراق في مرحلة ما، لتعلي خطاب إعلامي وبرلماني موتور ومتعالي واستفزازي، ومرة اخرى اخطأت عندما ذهبت إلى الرشوة للحصول على موافقات من شخوص سياسية وتنفيذية، ولم تدرك جيداً أن (من سره زمن .. ساءته ازمانُ)، فالأحوال لا تجري على وتيرة واحدة، وكان الأجدر التعاون مع العراق لإقامة منطقة بحرية كبيرة، وخدمات مالية ولوجستية ومناطق صناعية، من دون البحث في صغائر الأمور هنا وهناك، واستغلال الفرص، فالعراق عادت ما يعود قوياً بعدما يسدل الستار على مرحلة ضعفه وتراجعه، وهذا ما ينبئنا به تاريخ العراق الذي لم يقرأه الأخوة الكويتيين جيداً.
إن محاولة التبضع والتوسل بدول الجوار من السعودية والأردن ولاحقاً مصر، للتأثير في اتفاقية العراق مع تركيا وقطر والإمارات، لم يكن صانع ومتخذ القرار الكويتي يحتاج له لو أحسن النية، وترجم ذلك بوقائع على الأرض، ومن دون محاولة الالتفاف على المشروع العراقي، والذهاب إلى تركيا عبر اتفاقيات تعاون استراتيجي، حتى تضغط على العراق لإشراك الكويت في الخط البري لمشروع طريق التنمية، وبنفس العقل التأمري المستعين دوماً بالأجنبي عقدت اتفاقية للمنطقة الحرة والاستثمار والصناعات الدفاعية وغيرها، وهي تعلم كل العلم أن حجم المصالح التركية مع العراق الحالية والمستقبلية، هي أكبر مما يتحقق لتركيا مع الكويت، كما أن للعراق بدائل لمرور هذا الطريق نحو دول أخرى، مثل سوريا بعد ما تنتهي أزمتها، وربما لبنان، فيما لا توجد بدائل للكويت، وهو ما دفع كل الذين كانوا يشتمون العراق ويتشمتون به، بسبب الأوضاع التي تعرض لها قبل وبعد 2003، بدأوا بلوم الاشقاء الخليجيين (قطر- الإمارات) لأنهم تفاجئوا بالاتفاق.
ما هكذا تحسب الأمور، (فالجغرافيا قدر) أيها الأخوة، والتعويل على الألعاب الصبيانية هنا وهناك لا تضمن مستقبل واعد، ولن تستطيع الولايات المتحدة وبريطانيا أن توفر الأمان والاستقرار وحسن الجوار الى نهاية التاريخ، والأرض التي انتزعت عنوة تحت ضغط الظروف والأوضاع، تظل من ناحية الجيولوجيا وكيمياء التربة عراقية، وبغداد أقرب من انقرة ولندن ونيويورك. فهل تنفع الذكرى؟