حسين شلوشي
اكتوبر 2023
عام
العملية التي أطلقتها حماس في 7 اكتوبر بمبادئه ومبادرة منها، والتي ولدت صدمة كبرى ورعب على سلطة الكيان الصهيوني ومؤسساته العسكرية والاستخبارية والأمنية وحتى الكتلة الاستيطانية في الأراضي المحتلة، وهو ما ترتب عليه أن سلطة الاحتلال قد فقدت قدرة الامساك بأيّ مبادرة، سوى استنهاض النزعة الانتقامية المكررة لسحق الشعب الفلسطيني وإزهاق الأرواح والتدمير، وحتى هذه التقليدية كانت بأدارة أميركية مباشرة على مستوى إدارة العمليات وجحفلة الوحدات وطبيعة الانتشار ومستويات الاستهداف (أوامر الرمي).
وبهذا باشرت أميركا المواجهة والرد، وهي تعي ماذا تفعل من قتل وجرائم، ولكنها مستندة إلى الحماية الأكبر بقدراتها العسكرية والسياسية، من خلال ما يسمى المجتمع الدولي، وغير عابهة بأي رأي أو رد من أي طرف، وعلى أقل تقدير في الساعات والأيام التي تلت الصدمة.
من جانبها حماس تدير ميدانها بالاستناد إلى قدراتها الذاتية، بما تتضمنه من مرونة تفصيل المكان الذي تعيش فيه (غزة)، والمعرفة التامة بتضاريس وأزقة القطاع، ومن جانب أخر تعاني ضغط الجغرافيا المحدودة الضيقة المحاصرة، وهي تحاول أن تعالج هذا الضيق بالاستناد إلى حسابات فصائل محور المقاومة في فلسطين والساحات الأخرى (لبنان، العراق، اليمن، سوريا).
لقد عادت عملية طوفان الاقصى قضية الاحتلال إلى نقطة انطلاقه، قبل قرن ونيف (بعد الحرب العالمية الأولى)، وهو ما عبرت عنه سلطة الاحتلال على لسان رئيسها نتنياهو (أنها حرب وجود).
والميدان التكتيكي الجاري حالياً بين الآلة العسكرية الغربية والاسرائيلية وفصائل المقاومة والشعب الفلسطيني، تمثل الايقاع الخلفي لحسابات السياسة التي تحسمها مصالح وحسابات الجيوبولتيك المحلي والإقليمي والدولي، وإعادة تقييم هذه الحسابات، وأن أطراف الميدان (الفلسطيني والصهيوني) تتلقى ما يقرره السقف الأوسع الإقليمي والدولي، وفي هذه المرة يضاف له متغيراً مهماً للغاية، وهو أن فصائل المقاومة بكل مسمياتها في الإقليم، وكلاً على حدة، لا يمكن تجاهلها كقوة عسكرية أمنية مجتهدة مؤثرة في صناعة القرار الدولي السياسي، وليس هامشاً معارضاً منسياً.
وعليه فأن طوفان الاقصى يحتم إعادة قراءة وتقييم أربع عناصر بمدياتها التفصيلية لغرض الوصول إلى تقدير موقف سياسي يستشرف مستقبل المنطقة والعالم، وتتمثل هذه العناصر ب(جيوبوليتيك الدول العظمى في الشرق والغرب ومعها الدول الناشئة والمؤسسة الدولية، تداعيات الطوفان في دولة الكيان بميادينه العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، تداعيات الطوفان على أهل فلسطين بمقاومتهم وسلطتهم وشعبهم، والرابع هو دول الإقليم ومحور المقاومة بفصائله المنتشرة داخل وحول المصالح الأميركية.
لقد كشف طوفان الأقصى، بأن الأطراف الدولية بكلها لا يمكن لها صياغة استراتيجياتها خارج بلدانها، وحتى منفردة في داخلها احياناً، مهما امتلكت من قوة وقدرة تحالفات بضمنها (حلف شمال الاطلسي)، وأن الجميع يؤثر في الجميع، سواء بتأثير الألوان وثوراته ونواعمه وصواريخه، أو بخطابات التعبئة العقائدية ونتاجه الجهادي وسلاحه المحلي.
الجيوبوليتيك الدولي
بعد حرب الولايات المتحدة الأميركية على العراق (2003) واحتلاله، خرجت بقرار عدم المبادأة بحرب مباشرة بعدها، وعلى الأقل في المستنقع الذي أغرقها في آسيا وتمنعت عنه في شمال أفريقيا، وهذا لا يعني أنها تخلت عن هدفها الثابت لديها بالهيمنة على العالم، والذي لامسته في تسعينيات القرن العشرين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتفردها بالأحادية القطبية، إلا أنها غيرت الأسلوب والآليات وستراتيجيات الردع الاستراتيجي .
تتمثل الفكرة الجيوبوليتيكية الأميركية بالسيطرة على قلب الأرض (أوروبا الشرقية)، والتي من خلالها تتمكن من السيطرة على العالم (بحسب ماكندر)، وهذا ما أندرجت على تضمينه التقارير الاستراتيجية الأميركية منذ 2009 بشكله الجغرافي التفصيلي المتضمن ثلاث مناطق ارتكاز جيوستراتيجية: وهي (الهند والمحيط الهادي وبحر العرب، أوربا، والشرق الاوسط)، ما يعني أنها لن تسمح بالصراع في هذه الجغرافيا، وأنها مستعدة للتدخل بثقلها الأكبر لمواجهة القوى المنافسة أو التي تريد الهيمنة في هذه المناطق، وبذلك فهي قدمت أوكرانيا قرباناً لهذا الشرق، وهي تنزف منذ شباط 2022، وستبقى كذلك طبقاً للقرار الأميركي بجعلها مستنقعاً لروسيا، والأخيرة تعد أوكرانيا الأميركية، وبالجغرافيا التي تريدها حكومة زلنسكي هي معركة (وجود) بالنسبة لروسيا، وبعدها (ليفنى العالم كله)، بينما في المقلب العملي الاجرائي التكتيكي للولايات المتحدة، وبعد الاسعاف والطوارئ في إدارة المعركة ضد فلسطين، على خلفية طوفان الأقصى وما رافقها من زيارة لبايدن وأهم وزراء حكومته (الخارجية والدفاع)، والذي عاد إلى واشنطن مسرعاً، ليقدم طلب التخصيص المالي لحماية إسرائيل، متضمناً تخصيص موازنة مالية بمقدار 106 مليار دولار، منها 14 مليار مساعدات لإسرائيل، ومساعدات عسكرية لأوكرانيا بمقدار 61 مليار دولار، وكذلك 4 مليار دولار مساعدات عسكرية لمواجهة الصين في آسيا ويعني بذلك تايوان !.
وبالرغم من أهمية أوكرانيا لأميركا في استدراج روسيا إلى مستنقع، قد يتفاقم وتتهاوى روسيا الاوراسية وتندرس ندية سبعة عقود ونيف، إلا أن أولوية أميركا الحالية في إدامة الهيمنة وتحييد القوى الصاعدة، جعل الصين في مقدمة أولوياتها، وهذه الصين الفقيرة الكادحة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والتي مكنتها أميركا نفسها لتكون نداً بوجه الاتحاد السوفيتي، صارت هي الشبح المارد الذي سيقضي على آمال هدف الهيمنة ومعه الهدف الحلم في الرخاء والاستقرار الأميركي دون العالم، فصارت أميركا تشد الفتنة في خاصرة الصين عبر تايوان واليابان وكوريا الجنوبية، وهذه الدول منفذة لكل مصالح الغرب وخياراته ضد دول القارة الأسيوية، بالرغم من أن فضاءهم الاقتصادي هي أسيا الشرق.
إلا أن موضوع تايوان مختلف تماماً بالنسبة للصين وكذلك لأميركا والعالم، فهي بلد أنتاج (الرقائق الالكترونية الدقيقة أو الأدق في العالم)، وتواطؤ تايوان -(كذلك اليابان وهولندا)- مع أميركا يخرج الصين من المنافسة في قطاع المستقبل، قطاع الاتصالات والالكترون، والصين تفتش عن أي حل لهذه المعضلة مع تايوان، التي تّعدها جزء من دولتها وتتمرد عليها، وهذا التمرد يكلف الصين دور قيادة العالم الذي هو قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه، أو على الأقل هي القطب الأخر مع أي قطب دولي قوي يوازي قوتها، وبذلك فأن عقدة تايوان ايضاً تمثل عقدة (وجود) بالنسبة للصين، وبالنسبة لأميركا فهي كعب (أخيل الأغريقي) وعليها التصويب نحوه، وفي خضم هذه الأهمية والحساسية في موضوع تايوان، فأن الكيان الصهيوني بدولته يدعم خيارات استقلال تايوان بوجه المصالح الصينية، رغم العلاقة القائمة مع الصين، كذلك فأن الصين تقيم علاقات طيبة مع السلطة الفلسطينية، ولها طرحها السياسي غير المنحاز لإسرائيل بل يدعم حق الدولة الفلسطينية، ولأنها تدرك (الصين) أن إسرائيل تعني أميركا في الشرق بكل أبعاد الصراع واستراتيجيات الردع المتبادل بين الدول العظمى، فهي تريد المحافظة على منطقة وسطية بين السلطة الفلسطينية والإسرائيلية، وبذلك تجعل من نفسها وسيطاً موثوقاً بأعتبار أن أميركا لا تصلح لهذا الدور، بسبب انحيازها الفاحش لإسرائيل والتمادي في قتل الفلسطينيين، وكذلك تطمس دور وكرامة الدول المطبعة وتجرف هامشها في القضية الفلسطينية، فتكون الصين خياراً مقبولاً من جميع الأطراف باستثناء أميركا.
بالرغم من الملاحقة الأميركية لمشروع الصين الأهم في التمدد الاقتصادي والثقافي (الحزام والطريق)، وأستخدمت ثقلها السياسي وقوة الولايات المتحدة للضغط على الدول وحتى على الصين بعدم اشراك بعض الدول في هذا المشروع ومنها (العراق)، إلا أن أميركا وضعت بدائل أخرى لتقويض هذا المشروع، ومنها (طريق الشرق الهندي) الذي يربط الهند عبر البحر العربي ودول عربية شرقاً، ومن ثم عبر هذه الدول العربية (السعودية والأمارات) إلى إسرائيل شمالاً، وبذلك فأن وجود (إسرائيل المستقرة) يمثل أهمية جيوبوليتيكية كبرى (جديدة) في مخاضات النظام الدولي الجديد وتقويض الخصم الشبحي (الصين). فأين سيكون هذا المشروع، وغيره من مشاريع ردع القوى الشرقية، وهل ستبقى هذه المشاريع مستندة إلى إسرائيل غير المستقرة؟ المهم أن هناك بدائل أخرى في بحر العرب والبحر الاحمر من دويلات البترول، فهل هذه الدول قادرة على حماية نفسها ابتداءاً!! هل تجازف أميركا وتمكنها بقوة موازية متفوقة على تسليح إسرائيل ؟ .
ولذلك فأن عقدة هذه الدول الكبرى، تمثل واحداً من أهم أسباب عدم رغبة أميركا وحرصها على عدم توسعة الحرب في فلسطين إلى مديات أخرى.
أميركا تضغط على جميع دول العالم، ويمكن القول أنها ليس لها صديق (حميم) منسجم معها، إلا بعنوان (الخوف منها واتقاء شرها)، ولديها خصوم واضحين في خارطة العالم، وأن انكشافها بشكل واسع في هذه الحرب يجعلها عرضة لاستهدافات هذه الدول بشكل أو بأخر، والأسوأ بالنسبة لأميركا هو أن هذه الدول قد تستخدم قدراتها التكنولوجية والتقنية في دعم خصوم أميركا المباشرين، ومدهم بعناصر قوة متفوقة غير معروفة، من قبيل صور الاقمار الاصطناعية والاتصال والسايبر وغيرها من الإمكانات، وهو ما يعرض أمن الأفراد والمصالح الأميركية في العالم إلى الخطر. وبذلك فأن أميركا ستعود إلى تكرار الوعود بحقوق الشعب الفلسطيني، بعد أن تخرج السلطة الإسرائيلية من صدمتها بالدم الفلسطيني، وتجعله يشعر بالردع المتفوق من جديد ويستقر في داخله، وتصديره منتصراً في هذه الحرب، ولو على سبيل المشهد الصوري (الإعلامي)، وهو ينقل الدمار الذي حل بغزة وأهل فلسطين لتطاولهم على إسرائيل (القوية)، وربما أنجر إعلام المقاومة بعض الشيء إلى هذا المشهد، وأنشغل بتفصيله لأنه يّعده مظلومية هذا الشعب وينقلها للعالم كي يفهم مستوى الاجرام الإسرائيلي وكذلك استمالة جمهور المقاومة وتحفيزه ضد العدو الصهيوني، إلا أن الاستغراق فيه كان على حساب تكرار وترسيخ النكبة التي حلت بالكيان في 7 اكتوبر.
تداعيات الطوفان في دولة الكيان الصهيوني
خلال قرن من الزمن لم يترك الكيان الصهيوني أسلوباً إلا وقد مارسه على الشعب الفلسطيني، بدءاً من الترهيب والتشريد والضغط النفسي، والقتل والتدمير، وكذلك الاغواء والإفساد والرشوة والترغيب.
في طوفان الاقصى زاد مستوى الاجرام البشع بأهل غزة والضفة ومناطق تواجد الفلسطينيين في كل الاراضي المحتلة، بضمنها تقوية المستوطنين المتطرفين ودفعهم لقتل الفلسطينيين العزل في منازلهم، وهذا تطور آخر في عودة مفهوم عنصرية إسرائيل ومعها الغرب، وهو ما يزيد من الكراهية بين العنصريين في زمن تتنامى الديموغرافيا الإسلامية والشرقية في الغرب.
ساعات الطوفان الأولى نمطت وعياً جمعياً في سكان دولة الاحتلال، وهو أن هذه السلطة فاشلة وهي السبب في هذه الكارثة، وهذا ما بينته مراكز البحث الإسرائيلي والأميركي، عندما استطلعت مجموعة فيها (85%) من مؤيدي الحكومة، وقال(75%) منهم أن الحكومة هي التي تتحمل كل الذي جرى، فضلاً عن أن القيادات السياسية والعسكرية والاسرائيلية ايضاً حملت نتنياهو مسؤولية الذي جرى ومنهم (رئيس الاركان هيدزي هاليفي، رئيس الاستخبارات العسكرية أهارون حاليفا، ورئيس الشينبيت وغيرهم)، فيما أمتنع نتنياهو عن تجريم نفسه أو القاء اللوم عليها، وراح يتحدث عن مسؤولية جماعية، ومصالح البلد المشتركة، ويمارس الخطاب المخادع والكذب والتلفيق، لا سيّما في روايات الأسرى والرهائن، وأخذ يردد خطاباً مكرراً ايضاً وتحديداً في تأكيده القضاء على حماس وسحقها بالكامل، وكان قد قطع بذلك على نفسه في المواجهات السابقة ولم يتمكن من الايفاء بوعوده، بل أن الأمر يسير بعكس ذلك بها، وكما حصل في 2014 و2021 وبعد معركة 2008 .
فأصبح كلامه لا يعتد به بالنسبة للمستوطنين وكذلك بالنسبة للقوى السياسية الأخرى من المعارضة والموالاة. والأمر متصل بالسكان الفلسطينيين أنفسهم بضمنهم السلطة الفلسطينية (محمود عباس)، التي يعمد نتنياهو أهانتها دائماً بمناسبة وبدونها ويتجاهلها تماماً كممثل للفلسطينيين ويستبدلها بمصالح إسرائيلية خارج فلسطين المحتلة عند دول البترول، ويركز اهتمامه في دولة الامارات والسعودية وملف التطبيع الذي يعتقد هو الحل لمعضلة إسرائيل في الاستقرار السياسي والاقتصادي. لهذا يمكن القول أن سلطة الكيان الصهيوني وبالذات اليميني (نتنياهو) بحكم الساقطة سياسياً، وهي أقرب الضحايا والقرابين لتغطية فشل الدولة الإسرائيلية.
استطاع طوفان الاقصى ضرب مفهوم الأمن والاستقرار في دولة الكيان الصهيوني، وهذا يضعف دورها في المشاريع الاستراتيجية الأميركية ودول الغرب وحتى الأسيوية منها، ولعل مشروع طريق الهند الشرقي سيكون في زاوية حرجة للقبول به من قبل الدول المستثمرة فيه.
على صعيد متصل، وفي مكان أهم وأدق هو الدور المخطط لإسرائيل في بسط الاستقرار والأمن الاستراتيجي في البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط كوكيل أميركي، لدرء المخاطر المحيطة بدول هذه المنطقة والتهديد الذي تواجهه من ايران، فهذا الدور المنتظر يبدوا قد تلاشى إزاء هذه العملية، فالكيان الإسرائيلي الذي لم يكن قادراً على حماية نفسه من مجموعة صغيرة مقاتلة، بمقابل قوة كل الترسانة الغربية خلفها وفي متناولها، كيف يمكن لها أن تحمي هذه الدول العارية تماماً، مقارنة بحجم الدعم والتسليح والتعاون الذي تحظى من أميركا وكل الغرب.
إسرائيل حالياً لا تريد أن تعلن أنهاء الحرب التي اشتعلت بعد طوفان الأقصى، حتى تستوعب الصدمة وما بعد الصدمة التي سيكون التعافي منها طويلاً، وربما هذا يأتي من قراءتها النتائج المترتبة على توقف العمل العسكري الذي يفضي إلى إعلان طرف منتصر أو رابح في هذه الحرب، وهو محور المقاومة، أو على أقل تقدير غير خاسر في هذه الحرب، والواضح أن زمن المعركة كلما كان قصيراً فأن الخسارة الإسرائيلية تكون واضحة وكبيرة، وكلما امتدت فأن اسرائيل تحقق انتصارات تكتيكية تجعلها تشعر بأعادة قدرة الردع وتسويق نفسها ثانية بعنوان التفوق ومدياته في (الردع، الاستخبار، الامن، الانتصار).
اهتزاز ثقة المواطن بقدرة الحكومة على حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار، وهو ما يجعل الإسرائيلي يفتش عن أماكن آمنة خارج هذه الدولة، وكذلك يقلل الهجرة إلى إسرائيل، حتى في مستويات السياحة. وإسرائيل من جانبها السياسي في التفتيش عن الحل، لا تذهب لحل الدولتين الذي تفهمه السلطة الفلسطينية، بأنها دولة وعلم وموقف وكأي دولة أخرى في العالم، أنما تعتمد رؤية رئيس وزرائها الأسبق اسحاق رابين (أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي)، بمعنى تبقى تحت سلطة دولة إسرائيل في فدرالية أو كونفدرالية مدجنة تحت عباءة الدولة الصهيونية وبلا أنياب ومخالب.
تداعيات الطوفان على فلسطين السلطة والمقاومة والشعب
السلطة الفلسطينية هي الجهة الأضعف بين عناصر الدولة الفلسطينية، فالرئيس محمود عباس ومنذ توليه السلطة بديلاً عن ياسر عرفات (2004)، لا يمتلك مقومات سابقه عرفات في الشرعية والعلاقة الواسعة وكاريزما القيادة والدور المحوري في الكفاح المسلح ضد الاحتلال، ومجيئه الى السلطة بأعتقاد الفلسطينيين هو تواطؤ إسرائيلي، وهو أقرب إلى تنفيذ سياسات إسرائيل الأمنية وتسهيل مهامها في السيطرة على القوة العسكرية الفلسطينية عموماً، وبذلك فهو ليس محل ثقة الفلسطينيين، وبذات القدر فهو لا يحظى بأحترام إسرائيل نفسها، ولا تعيره اهتماماً أو تعطيه هامشاً في تلبية حاجات مواطنيه.
وعلى أقله في الضفة الغربية عندما يتعرض أهلها إلى القتل من المستوطنين أو تطالهم سلطات الأمن الإسرائيلي وغيره، بل أن الاسرائيلي لا يتعاطى معه إلا بحدود تحقيق الاجراءات الأمنية الإسرائيلية، ولا تعترف بسلطته على غزة حتى عندما انسحبت غزة عام 2005، فهي خرجت بالتنسيق مع حماس وحدها، وهو ما اعتبرته حماساً أذعاناً من إسرائيل لها وصارت تتنمر على السلطة الفلسطينية (عباس) التي تركت سلاح الجهاد . والسلطة من جانبها تدرك أنها غير محترمة من الجانبين (إسرائيل وحماس)، وهي لا تستطيع أن تقطع بموقف حاسم مستقل إزاء الجهتين فيكون موقفها وقرارها باهتاً وغير ذي جدوى إلا في الشكل، وعباس نفسه لم يُهيأ ويعد شخصية بديلة عنه وهو الثمانيني الهرم، ما ينبأ بمشكلة قادمة حول أفراد وجهات السلطة القادمة.
من جانبها حماس التي انتعشت كثيراً في طوفان الاقصى، ونالت اعجاب وعواطف ودعم كل الحلفاء والداعمين للقضية الفلسطينية، وأغاضت الاسرائيلي الى حد الخنق وقطع النفس، وهذا الشعب الفلسطيني تنفس الصعداء وشعر بالقوة والعزة، وكل هذا سيضع حماس والمقاومة في موقف صعب ومعقد من المسؤولية، لأن أمكانياتها المادية واللوجستية المتاحة لا تسمح بالتكرار لذات العملية في وقت الحرب، وحتى الدفاع عن هذا النصر يضعف يوماً بعد آخر، أن لم يجري أدامته سياسياً وأعلامياً ولوجستياً وعسكرياً، وهذه مهام تقوم بها فصائل المقاومة في لبنان والعراق واليمن وحتى في سوريا بشكل محدود وبغطاء وثقل سياسي ودبلوماسي وأستراتيجية ردع عسكري تقوم به الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أن التباين في القدرات بين هذه الميادين ولاسيّما في جانبه السياسي واللوجستي، ما زال يحتاج الى الكثير من الجهود والاصطفاف الدولي، وهذا الأخير تهيمن على معظمه الولايات المتحدة الأميركية والغرب، وهو ما يخلق اجواء دولية متشنجة، بينما بينما الموضوع الفلسطيني يحتاج ايقاف الحرب والقتل حالياً، رغم أن حسابات الفلسطيني الطبيعية أنه قد تعرض لمثل هذا القتل على مدى عقود من الزمن، إلا أنه الأعنف، وترافقه الدعاية الصهيونية والغربية في اعلان (القضاء على حماس)، وبذلك فهي تصدر مشهد القتل اليومي (سوداوية) والترهيب من حماس وتجعل بصيص الأمل أو الضوء في نهاية النفق يأتي من التعاون والقضاء على حماس، وبذلك ستكون المقاومة محشورة بين قدرة استمرار ردع الاسرائيلي بما يعزز ثقة المواطن، وكذلك تبديد الصورة التي يصدرها الاسرائيلي، ويؤكدها بالقتل والتدمير لزيادة التذمر في صفوف الفلسطينيين، ويؤدي الى فك التلاحم الشعبي.
التداعيات على محور المقاومة ودول الإقليم
عندما اُعلنت معركة طوفان الاقصى ونتاجها صباح 7 اكتوبر، فأن العالم توزع في ردة الفعل المباشرة المنعكسة سلوكياً، بين المباركة والسرور والسعادة والتعزيز في السرب المقاوم كل من موقعه، والصدمة والذهول والجنون والخروج عن أطوار وأدوار الكياسة والدبلوماسية والشعارات الإنسانية، وسقطت الأقنعة بعربدة ووعيد وتنفيذ الاجرام على نحو غير مسبوق إنسانياً بأستهداف كل سكان غزة، وبالمقابل خيمت خيبة وجمود وانفصام سياسي وشخصي وعدم قدرة التعبير عن مشاعر محددة، إلا بمفردات غير ذات أثر ولا تحمل معنى في موقف محدد من دول وجهات سياسية ملتصقة بأسرائيل والغرب في مشاريع مختلفة ومنها التطبيع، وهذا المشهد عمَ بقاع العالم كلها وبصورة أوضح من سابقات المعارك والحروب في الصراع الفلسطيني الصهيوني الغربي.
إن هذا المشهد لوحده يعبر عن منجزين أساسيين في القضية الفلسطينية هما:
الأول: يتعلق بشرعية الاصطفافات الدولية في بعدها الإنساني والاخلاقي والحضاري وحتى السياسي بعنوان سيادة الدولة والشعوب في أراضيها ومن هي الجهات التي تمثل الشرعية.
الثاني: هو العودة الكاملة الى جذور القضية الفلسطينية وبسط الكيفية والمغالطة التأريخية التي أُنشأت بها دولة الكيان الصهيوني (وجود)، وكشف خدعة الدولة والشعب اليهودي القومي.
إن هذا التجديد (التحديث) في ذاكرة شعوب العالم، ينسف جهداً دعائياً إعلامياً ثقافياً سياسياً قاده الغرب ومن تعاون معه على مدى أكثر من قرن، وهو ما سيشكل وعياً آخر في عناوين مجتمعات الشرق، وما تعرضت له من تخريب وتدمير ونهب وسلب من الجماعات السياسية الغربية والاستعمارية على مدى القرون (الثامن عشر، والتاسع عشر، والعشرين).
وبذلك فهو يؤسس إلى عصر ثقافي مختلف، ربما لا تتكشف أسراره على المدى القريب، إلا أن الإمعان في دقة مشهد الدم الجديد الذي سفكه الغربي في هذه الديار الشرقية، هو الذي سيكتب متون وسرديات البناء الحضاري القادم، وتسقط روايات العنف والتخلف التي تلصق بالدين وتنحسر الى منسوب أدنى، روايات ضعف الدولة الدينية وأستبدالها بالايدلوجيات الوضعية الغربية، بمعنى كشف أُس وجذر الصراع الغربي الشرقي.
النتائج الأولية أعلاه لا تتعلق ولا تتأثر في تدحرج المعركة الحالية ومدياتها الميدانية وما تحمله من مناورات استخدام القوة المفرطة والمتنوعة، لأن هذه القوة الصلبة جداً ستصطدم بقوة أخرى اكثر صلابة حتماً، طبقاً لأهداف الجيوبوليتيك الغربي.
بالنسبة لمحور المقاومة المتمثلة بالجمهورية الإسلامية والفصائل المنتشرة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن، وربما جغرافيا أخرى، هذا المحور الذي يتبنى الخيارات المتعددة في مواجهة الكيان الإسرائيلي وتحرير فلسطين وفي مقدمتها السلاح وتوازن الردع والتأثير، فضلاً عن الاعلام والسياسة والقانون الدولي.
هذا المحور يعتبر محوراً محاصراً في كل ساحاته على مستويات الاقتصاد والسياسة والإعلام، وأن الأخير كان حصاراً وهجوماً مدمراً لنسف رواية وخطاب محور المقاومة التي يبسطها المحور كقوة متمكنة وعقيدة إسلامية جهادية وخيار أخلاقي شرعي، وأن الآلة الإعلامية الثقافية الغربية الصهيونية الملتحفة معها نمطّت لها صورة ذهنية بائسة ومستهجنة بين المجتمعات الغربية والشرقية على حد سواء، وأرست قبالة هذا البؤس حجم الترف الذي تتمتع به (الحضرية الغربية) ومن يتماشى معها، وأنها البديل الإنساني للحياة والنمو والتطور، جاء مشهد فلسطين والشعب الفلسطيني برواية ميدانية أخرى تنسف مصداقية هذا الخطاب والإعلام الغربي برمته ومن أعلى المستويات (بايدن ورواية قتل الاطفال الكاذبة)، فهي عرضت قوة واقعية وعرضت ازدواجية وزيف الغرب في حماية الإنسان وحقوقه وركزت فكرة الغرب الاستعماري الظالم للإنسان- ليعود خطاب العدل والحق والشرعيية الذي يتبناه المحور هو الرواية الصحيحة، ولا تجد من يرفض خطاب (حماس المتشدد) في مجتمعات المحور وكذلك في مجتمعات الغرب بنسبة جيدة، وهذه مساحة زمنية جيدة في الاصغاء الى هذا الخطاب المهمش والمستهجن غربياً.
الأمر الأخر فأن الفراغ الذي تركته دول التطبيع العربي قد شغله محور المقاومة بذروة النصر والانتصار الشعبي للشعوب العربية والإسلامية، وتسيدت المشهد السياسي.
كذلك فأن المحور قد ركز قدرته (العسكرية والأمنية) المؤثرة في حفظ أمن المنطقة والتحكم بمفاتيح منابع الطاقة العالمي والسوق الاستهلاكي لمنتجات الغرب وبضمنها المنتجات العسكرية والتسليحية، وهو ما يجعل دول المنطقة تذهب بأتجاه بناء استقرارها مع أبناء المنطقة وليس من خارجها، وهذا يعني في التقدير الأول أنها توازن علاقتها بين الشرق والغرب إلى حين، وأن ورقة التطبيع لم تعد تمثل صك الغفران لأمن وأستقرار الانظمة والدول في هذه المنطقة.
بدأت دول المشرق تتخطى خلافاتها المذهبية الطائفية وتتواجد في نقطة تفاهم واقعي لتوازن القوة وإدارة المصالح المشتركة في هذه المنطقة بأدارة واجتهاد سياسي بحسابات مصالح كل الأطراف.
إن التدرج التأريخي في نمو محور المقاومة وبناء قدرة المواجهة في القضية الفلسطينية يثبت الرؤية الواضحة في السير نحو الهدف النهائي (تحرير فلسطين)، فأن هذا المحور بدأ بجوار انقاض التراجع والاستسلام للحلول الغربية نهاية السبعينيات والاستغراق في كذبة الغرب لصنع السلام في المنطقة، وفي ذروة شعور الصهيوني بالقدرة والإمكان الأكبر على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، وهو ما دفعها أن ترفع شعاراً وهدفاً يشبه شعار وهدف الحكومة الإسرائيلية الحالية وهو القضاء على المقاومة، وفي حينها طاردت منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) في داخل وخارج الاراضي المحتلة واجتاحت بيروت في ثمانينيات القرن الماضي لتقاتل فتح وتقضي عليها وأوغلت في القتل والتعذيب والانتهاك لشعب لبنان وكان مع اسرائيل جيش من العملاء يقاتلون ضد أبناء جلدتهم!! هذه القسوة والوحشية والغطرسة انتجت ارباحاً مضاعفة في خط المقاومة، وفي مقدمتها حزب الله الذي احتفل بأخراج المحتل عام 2000، ومن بعد حماس التي أصبحت بهذا الحجم، والجهاد الإسلامي فضلاً عن بقاء منظمة (فتح) وما آلت إليه سياسياً.
بعد ذلك تمترست المقاومة بخطوط دفاع لم يتمكن الاحتلال من كسرها، سواء في شمال الاراضي المحتلة أو جنوبها بل خرج الاحتلال ذليلاً عام 2004 من غزة.
وسرعان ما أمسكت المقاومة بزمام مبادرة التهيؤ لدفاع مختلف يباغت جيش الاحتلال، فكانت حرب تموز 2006 وحرب غزة 2008 وكذلك غزة 2014، ومن بعد معركة سيف القدس في حزيران 2021، التي وضعت نقطة فاصلة في طريقة الدفاع عن الاراضي التي بحوزة المقاومة، وأسست الى سياق يختلف في المواجهة، وهو الهجوم على العدو وتكبيده الخسائر والاذلال قبل أن يشرع بجرائمه ضد شعب المقاومة، خلال هذه المعارك منذ الثمانينيات الى الآن صار استهداف العدو والراعي الأكبر (أميركا) يسيراً ومتاحاً جداً بين يدي فصائل المقاومة في كل الساحات وليس في فلسطين ولبنان وسوريا لوحدها بل برزت معادلات أخرى لفصائل أخرى في سياق المواجهة وتجديد وتشديد هدف (تحرير فلسطين)، فأصبحت فصائل المقاومة الاسلامية في العراق أنموذجاً آخر في تجسيد وحدة جغرافيا المقاومة، وتهديداً نوعياً مختلفاً ومضافاً ويتسلط على الراعي الأكبر صاحب أكبر قوة وترسانة عسكرية في العالم أميركا !! فضلاً عن جبهة انصار الله وما تعنيه في جيوبولتيك البحر الاحمر وما تمثله من تهديد مجرب ومقتدر لكل حلفاء أميركا في الشرق، وكذلك تهديد – جغرافيا أميركا المخططة جيو ستراتيجياً في البحر العربي والمحيط الهندي. هذه القوة كلها انتجتها وتمدها دولة صاروخية نووية إسلامية لا نريد الخوض في تفصيلاتها.
واليوم في معركة طوفان الاقصى فأن جبهة من هذه الفصائل يمثل حلفاً مختلفاً ومعادلة مختلفة في حسابات الردع العسكري، والقرار السياسي له حساباته عند الولايات المتحدة الاميركية، والغرب عموماً، وكل من هذه الفصائل يمتلك قراره السياسي والعسكري في الاجراء التنفيذي بوعي أهداف المحور كله دون الكلفة السياسية لأي طرف فيه، وبذلك ركزت فكرة الهجوم بالوقت الذي يناسبها.
ويعد هذا التنامي في قدرة محور المقاومة في العقود الثلاثة الأخيرة على الصعيد العسكري والتسليحي والسياسي والثقافي والاجتماعي، حجر الزاوية الأساس الذي يرتكز عليه الخطاب السياسي والإعلامي لقيادة المقاومة، وفي مقدمتها السيد علي الخامنئي الذي يبشر ويعلن (بداية النهاية لهذه الغدة السرطانية).
وفيما يخص دول الإقليم الأخرى، لا سيّما دول الخليج فأنها ستكون في دائرة (ستراتيجية التوازن) ومحاولة مسك العصا من المنتصف، وهذا يعد مكسباً لمحور المقاومة وعموم قوى الشرق (روسيا والصين وغيرها)، لأنها كانت منحازة بالكامل الى الجانب الغربي الاسرائيلي.
بينما تمثل تركيا عنصر توازن آخر لصالح محور المقاومة وتحديداً في حكومة العدالة والتنمية، لأنها تنحاز عقدياً إلى إسلامية فصائل المقاومة الفلسطينية، ولديها استعداداتها ومؤثراتها الاقتصادية والجيوبوليتيكية على إسرائيل والغرب من خلال تواجدها في البحر الاحمر (السودان) والبحر الابيض المتوسط بموقعها هي وفي ليبيا، وكذلك سوق الطاقة (الغاز) الذي يمر من خلالها الى العالم.
ربما يكون من المبكر الحديث عن ثقل روسي صيني في هذه المواجهة على المدى المنظور، لأن هاتين الدولتين مرتبطة بتوازنات وحسابات أخرى بين دول المشرق والمغرب، إلا أنها وبأعتبارها المستفيدة من تورط أميركا وتدخلها السافر الواسع في الصراع الفلسطيني وعموم دول الشرق، فأنها تنتهز الفرصة بدقة وحذر شديدين لتغذية عناصر قوة الأطراف المناهضة والمناوئة لأميركا بشكل وبآخر، وتعميق نقاط ضعف الولايات المتحدة الأميركية.
خاتمة واستنتاجات
الحرب قامت بانتفاضة وإرادة فلسطينية مقاومة، ومن المؤكد أنها لديها أهداف تفصيلية الى جوار الأهداف الاستراتيجية الكبرى المتمثلة بأعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وصلب الاهتمام الدولي والإقليمي والمحلي، والتي تعتبر بداية هدف تحرير فلسطين، ومن هذه الأهداف تحرير الأسرى والمعتقلين (تبييض السجون)، وكذلك الأعمار وترتيب سلطة الدولة الفلسطينية المستقبلية وترتيب الجغرافيا فيها، وهو ما يفضي إلى دور مفترض لفصائل المقاومة يكون حاسماً في الحلول المطروحة بضمنها حل الدولتين الذي ترفضه المقاومة إلا أنها ستأخذ استحقاقاً في السلطة برغم خياراتها في المقاومة.
- هذه الحرب ركزت الوهن الأمني الإسرائيلي، ونقلته هاجساً شعبياً لسكان المستوطنات واليهود الراغبين في الهجرة إلى إسرائيل.
- ايضاً اثبتت الحرب أن اسرائيل دولة غير مستقرة أمنياً، بل هي دولة (هشة) وحكومتها تقودها أحقادها إلى الفشل.
- احراج أمريكا والغرب وكشف الأقنعة (الحضارية، الديمقراطية، حقوق الإنسان) وبسط الازدواجية الغربية إزاء هذه القضايا التي تمثل ثقافة غربية عامة.
- أميركا لا تريد أن تتوسع (جبهات الحرب حول إسرائيل)، وتريد تحييد الأطراف الأخرى من فصائل محور المقاومة، لتتيح فرصة استفراد الاسرائيلي بالفلسطيني، وستعود تطرح حل الدولتين بقوة باعتباره حلاً امنياً لدولة إسرائيل، من دون حق للشعب الفلسطيني (بحسب الرؤية الإسرائيلية)، أيّ التعامل مع أهل فلسطين كأفراد داخل كنف إسرائيل بسلطة شكلية.
- دول التطبيع ستعاود قراءة قرارها، باعتبار أن عملية التطبيع مكلفة سياسياً واجتماعياً وأمنياً، ولا يضيف ميزة للسلطات في هذه الدول سياسياً، لا سيّما (دول البترول)، لأن عنوان الحماية لهذه النظم والدول يجري تعريفه من جديد بين الميدان الواقعي والقوة المفترضة، كذلك فأن هذه الدول ستكون هامشية غير مؤثرة في القرار الإسرائيلي، ولا حتى في قرار الفصائل إلا بحدود ضيقة جداً.
- سيكون للولايات المتحدة عمل واسع في المجال الأمني والثقافي، على حد سواء لغرض تفكيك منظومة فصائل المقاومة، وهو مشروع قديم جديد، إلا أنه سيكون مركزاً وعملياً في إعادة تسويق الحياة والترف والرفاهية للشعوب المقاومة، لا سيّما بعد مرارة القصف والقتل والتخريب في غزة.
- ستكون مهمة المقاومة شاقة ومضنية ومكلفة في أدامة زخم النصر على المستوى الفني (التنفيذ العسكري) والإعلامي والثقافي، لاسيّما في داخل فلسطين.
- أتاحت الحرب فرصة مثالية في التقارب المذهبي والديني، وهو ما يثير ويغضب الغرب وإسرائيل باعتبار أن الفرقة والتناحر يمثل قارب نجاة لدولة إسرائيل.
- التحول في الموقف الدولي الشعبي لصالح الشعب الفلسطيني قد مثل نهضة وعي جديد لم تعهده القضية الفلسطينية من قبل، ولعل تصريح أمين عام الأمم المتحدة غوتيريش (أن هجوم السابع من اكتوبر لم ياتي من فراغ، بل معاناة الشعب الفلسطيني ل56 عاماً)، أثار حفيظة إسرائيل وحلفاؤها إلى حد المطالبة باقالته.
- ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية بمراجعة علاقاتها مع دول المنطقة، وتعتبر العراق أول أصدقاء أمريكا الذي يرمي ضدها، وهو ما يتطلب معالجات حادة وجادة، وليس بالضرورة أن تستخدم القوة والضغط، إلا أنها سوف لن تكون مرنة على المدى القريب.
- أفرزت المعطيات الأولية لطوفان الاقصى تثبيت حقائق جديدة وهي:
أ-بعدما استطاعت المقاومة الإسلامية (حزب الله) في لبنان، توظيف مخرجات حرب 2006 لتحقيق ردع متقابل مع العدو الصهيوني لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسلامي- الإسرائيلي، وتثبيت قواعد جديدة للاشتباك، يمكن القول أن هناك جبهة جديدة رادعة للعدو ومن شأنها تثبيت قواعد جديدة.
ب- إسرائيل وكل الغرب وعلى طول زمن الصراع الممتد كان هناك تفوق واضح وبائن، ولكن على خلفية متراكم حرب 2006 وما أفرزته الحالة الحوثية والمقاومة الإسلامية العراقية، والحالة التي قدمها طوفان الاقصى يمكن القول بتحقق شيئاً كبيراً من توازن القوى بين محور المقاومة ومحور الغرب.