اسم الكتاب : زمن الشرق
المؤلف : د. عبد علي المعموري
الناشر : مركز دالة لتحليل السياسات والاستشارات
عدد الصفحات وسنة النشر:( 514 ) صفحة /2024
عرض الكتاب : د. زينب شعيب .
ينقلنا كتاب زمن الشرق عبر الخارطة الزمكانية ومازق القرواوسطية الذي بدء بالانبثاق من شهوة الغرب لاقتحام الشرق ونهبه واستغلاله، كما كانت الامبراطورية الرومانية مأخوذة بتعويذتها (آريس) ابن زيوس، آلهة الحرب والذكورة والشجاعة، ولأنه المريخ ذا اللون المحمر فأنه يظل دلالة على رغبوية سفك الدماء والقتل، بهذا العنف الملتحف بمختلف الألوان الحقوقية والإنسانية والتكنلوجيا والاقتصادية، تزعمت الغرب العالم حتى أحكمت السيطرة عليه تماماً، فمنذ ثلاث قرون مضت من التاريخ الحديث، لم يشهد النظام الدولي أي تغيير وظلت السطوة على العالم تنتقل من دولة غربية إلى أخرى، رغم أن التاريخ ينقل بأن القوة والحضارة والثقافة والأديان كلها في الشرق، إلا أن الاقتحام الأوربي العنيف للشرق أدى إلى أضعافه ونهبه والهيمنة عليه، لكن يبدو أن هذه الدورة التاريخية قد شارفت على نهايتها، فخلق القوة وتوزيعها في عالم الشرق، يقابلها ذبول وانحسار في الغرب، وهو جدل الاشياء وكل ما يعتري هذه الانتقال هو مواقيته وطبيعة اللحظة التاريخية التي تشهد حدوثه .
كما يعلل المؤلف نهاية الزعامة الغربية بالإشارة إلى التدفق الفكري والمعطيات بفضل التكنلوجيا، واعتبارها فرصة أدت إلى زيادة الوعي المجتمعي في الشرق، وهو ما حفز حتى بعض الحكومات على الجرأة في طرح الاستغلال الغربي تاريخياً لهذه البلدان والمجتمعات، ومن الممكن أن يرتفع ذلك مع أي أزمة تعيشها هذه البلدان، والأهم في هذا هو تصاعد الرفض للوجود الغربي اقتصادياً وعسكرياً، حيث أن اكثر من نصف سكان العالم ينظرون إلى الولايات المتحدة كونها تشكل (تهديد) لهم .
ومن جانب أخر توصف الأحادية القطبية هي قدرة الدولة الواحدة القابضة على النظام من هزيمة مجموعة دول أخرى من دون مساعدة، وبحسب المعطيات الحالية فقد أصبح من غير الممكن تماماً أن تؤدي الولايات المتحدة هذا الدور، بل من المحتمل جداً أنها ستكون عاجزة في 2035 من الانتشار العسكري في أغلب أقاليم العالم، وخصوصا في شرق أسيا وجنوب شرقها، أو البحر المتوسط وغرب أسيا وأواسطها وأجزاء من أفريقيا، حيث من المتوقع أن دول أخرى ستكون في مواقع قوة لا تسمح للولايات المتحدة بأداء القيادة في نظمها الإقليمية .
كما يوجه المؤلف إلى نحو الالتفات إلى الدور المقيت الذي أدته الولايات المتحدة في تهميش الثقافات المحلية للشعوب والمواريث الاجتماعية والأبعاد الدينية التي تصل إلى حد المقدس، خاصة عندما سعت إلى نشر ثقافات مستهجنة وغير أخلاقية، وتعارض القيم والمبادئ التي عاشت في كنفها هذه الشعوب طوال التاريخ الممتد للبشرية، والهدف الأمريكي- الغربي المشترك من كل ما جرى من تسويقه نحو العالم، هو مسخ الهوية الدينية والأخلاقية والاجتماعية بغية تدجين الشعوب وحرفها عن القيم والفطرة الإنسانية، حيث كانت تنشر قيم إشاعة التحلل الاجتماعي والتنكر لطبيعة الخلق ودفع الناس إلى الالحاد، كلها تحت شعار (الحق الإنساني، حرية التعبير) وغيرها، لكنها في الواقع تبقى مرفوضة فلن يقتصر الرفض والمواجهة على القوى الدولية كالصين وروسيا، بل تصاعد في مختلف بقاع العالم، وكشفت للعالم الكثير من زيف شعارات الحرية والحقوق، وهي تتناسق مع فقر الأمريكان لتاريخ وحضارة وقيم أصيلة ووجود ممتد في عمق التاريخ، والذي يشكل معاناة حضارية لدولة ليس لها عمق حضاري وتاريخي كما هو حال الولايات المتحدة، وكل تاريخها يختزل في القضاء على الشعوب الأصيلة (الهنود الحمر) وعبودية الإفارقة والحرب الأهلية .
والصورة الوجودية نفسها كررتها إسرائيل على ذات الأسلوب والسردية، ولم تبخل مطلقاً بأي مجهود للحصول على أي رابط يربطها تاريخياً في القدس كمدينة دينية، ووجود دلالات لهيكلهم المزعوم، والذي لم تقدم دليلاً له كما صرح كبير الآثاريين (اسرائيل فنكلشتاين)، إلا أن سرديتهم مقبولة عند الغرب عموماً، ومن الملفت أن الغربيون والأمريكان لا يهمهم مدى مصداقية الحقائق، بقدر ما يهتمون بمن يصدقونه، بينما كانت روسيا في خضم صراعها مع الغرب، قد استدعت العامل القومي والجغرافية المكانية والتاريخ المشترك لتعايش الشعوب الاوراسية، كذلك أفريقيا التي تحاول التكور حول هويتها الأفريقية الجامعة، لتطالب بمقعد دائم في مجلس الأمن، والحال يمتد نحو أمريكا اللاتينية، وايضاً تركيا تروج للعثمنة المنغمسة بالثقافة الإسلامية، ومثلها إيران التي ترفض وبشكل صريح كل الثقافات المعلبة المراد تصديرها إلى الشرق، كونها تتضمن استراتيجيات وأيدولوجيات لتدمير المجتمعات، بالتالي فالمنظومة
الغربية تدخل إلى أزمة عميقة دينياً وثقافياً وأخلاقياً، ومن شأن هذا إلا يسمح بتصدير قوتها الناعمة .
على ما يبدوا أن أمريكا وصلت لحالة الدوار عند القمة، فهي لم تنجح بإدارة هيمنتها بعد أن اعتقدت خطأ بفكرة، أنها المكلفة من الله بمهمة إدارة البشر، وها هي قد وصلت إلى نهاية الدورة التاريخية لدور القيادة .