أ.د. عبدعلي كاظم المعموري
منذ سبعة عقود ظلت القضية الفلسطينية يتراجع العرب فيها شيئاً فشيئاً، وتوالت النكبات فيها، وثلاثي الدعم في أنشاء الدويلة الصهيونية ومدها ورعايتها وحمايتها، هم: بريطانيا – فرنسا – الولايات المتحدة، وتقام لهم في عواصم العرب الاعتبارات والاستقبالات الكبرى ويمنحونهم أعلى الأوسمة، وتمنح لهم أكبر المشروعات وأعلاها أثماناً، حتى باتت جيوب الغرب منتفخة مما ننفق على السلاح والسيارات والسلع الفارهة والملابس، وكلها من أموال النفط، ومن شدة هيام الحكام بهم عدوهم رسل الحرية والإنسانية وأهل الحل والعقد في فكفكة خيوط القضية.
ومنذ سبعيناً مضت ونحن على وتيرة أننا نعد لهم ما استطعنا، ولم يوفقنا الله أن نبلغ تمام الاعداد والاستطاعة، رغم أننا أنفقنا ما يقارب (2) تريليون دولار، على الخيل والجمال والطائرات والصواريخ والجيوش الجرارة، وأقمنا المناورات عبر سباقات الهجن، لنظهر كفاءة جيوشنا وقواتنا المسلحة؟
ربما قائل يقول هل هي لعنة من الله أن تبقى هذه الأمة رهينة (صهاينتها الأعراب)، أم أنها توازنات القوى الدولية والجيوبولتيك والدفاع النشط، وكذا من مصطلحات يطلقها الحكام دون فهم وتصفق لها أيادي المغلوبون، هل نحن (أمة التائهين)، هل الوسائل هي من تحدد الأهداف أم الإرادة والعقيدة والصدق؟، هل ألعاب الحاكمون المذلولون المدلسون في مواقفهم إزاء قضايا شعوبهم وأمتهم من الماء إلى الماء (من الاطلسي إلى الخليج)، التي كانت كوندليزا رايس تسمعهم اسوء الكلمات، وتنهضهم وتقعدهم كأنهم في رياض الأطفال، هل يتجرأ أحدهم أن يحترم موقعه ونفسه وشعبه ويعترض على ما يحدده له (بلينكن)، من قول وتصريح وموقف؟
نحن فعلاً نعيش عصر المذلولين والتافهين والمسلطين على شعوبهم والمنبطحين على بطونهم للغرب، لم تكن حرب غزة أقل وطأة وفجيعة في الإنسانية من حرب اكتوبر 1973، وحينها أطلق العاهل السعودي قطع النفط عمن يساند (الكيان)، ودخول أميركا وإسرائيل عسكرياً لم يكن أقل من دخول العراق للكويت، وبيعت الكويت وبيع العراق من قبل الدول المسترزقة على نوائب العرب، أليست هذه في التوصيف (سمسرة الحرب) أو (الربا بالدم)، كيف يمكن لأكبر دولة عربية وهي مصر تشرعن تدمير (3) دول عربية (العراق – ليبيا – سوريا)، وإذا كنا نَّشكل على أميركا في تحكمها بالأمم المتحدة، فلنا الحق إذاً أن نشكل على السطوة المصرية على الجامعة العربية؟ التي تنقاد للرغبات الخليجية.
هذه الجامعة العربية في ميثاقها المهلل ومعاهدة دفاعها اللامشترك، هي مشروع غربي بامتياز كأي مشروع رأسمالي أخضع لدراسة الجدوى الاقتصادية، وطالما كانت أرباحه كبيرة للغرب، وتكاليفه من مقدرات هذه الشعوب فهو مشروع مقبول ورابح، وعندما نضع أنشاء المشروع الصهيوني في قبالة الجامعة العربية، فأنهما بالحتم مشروعان متجاوران متشابكان ومغذيان بعضهما لبعض، ولصالح الغرب فقط؟ إما الشعوب العربية التي لم تطالب يوماً بعمل جردة حساب لتكاليف الجامعة العربية ومخرجاتها (أرباحها)، والتي أن حدثت تظهر أنها مشروع يتطلب الغلق منذ خمسينيات القرن الماضي؟ هذه الجامعة سيتغير أسمها ونظامها وأسسها لتستقبل يوماً عضواً جديداً وهي (إسرائيل)، عضواً فاعلاً وقائداً لمواقفها برضى الحكام العرب أنفسهم، وفي طليعتهم (المطبعين – والأعراب المتصهينين- والخانعين- والخائفين من شعوبهم)، عندئذ ستكون جامعة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا هي المولود الغربي الجديد، ولا عزاء لمن أنطلت عليه خديعة البريطانيين؟ .
لهذا لابد للشعوب والدول التي ترى في نفسها غريبة عما يحاك في دهاليز الجامعة والأمم المتحدة وعواصم الغرب والمنطقة للإطاحة بكل المقاومين لنزع سيادتهم واستقلالهم وكرامتهم، أن يذهبوا إلى خيارات أقلها أن تكون هناك بديل لهذه الجامعة المشبوهة بالدليل القاطع والمسار المختل، سواء أكان (منظمة الدول العربية المستقلة) أو (المجموعة العربية المستقلة)، ويكون مقرها في الجزائر مثلاً، وان تختار توجهها الجديد البائن والظاهر ، هو الالتحاق بقوى الشرق التي تكافح لإقامة العدالة العالمية والمساواة والحق في العيش بعيداً عن ظلم الغرب وعنجهيته. وهنا سيكون الحق الفلسطيني ممهوراً بإرادة شعبه ومقاوميه وليس (حلاً معلباً) على موائد أولاد زايد أو نفاق أردوغان أو سمسرة مصر والأردن، وخنوع ابن سلمان؟ .
والأمر نفسه ينسحب على الأمم المتحدة التي باتت هي الأخرى عاجزة ومغيبة ومهيضة، ويمكن طرح ذلك بعدما يتم الاعلان الرسمي لانتصار روسيا على الغرب (أميركا وأوروبا) في أوكرانيا، طالما أن هذه المنظمة التي أنشت بإرادة أميركية ولأجلها ولخدمة مصالحها وليس للعالم، ويمكن لروسيا والصين الذهاب في هذا الأمر بعيداً. كجزء مهم من تغيير قواعد النظام الدولي الذي أقيم بعد الحرب العالمية الثانية.
أما المذلولين من حكام وسياسيين وإعلاميين، والأصدقاء للدبلوماسيين الغربيين، والمسافرين سراً إلى مملكة الشر في العهد القديم، والمتباحثين غدراً في عواصم الأوربيين، والذين على حدودهم تذبح فلسطين، وفي عواصمهم تقام المهرجات على أنين الثكالى وخوف الأطفال الغزاويين، فلا يوجد توصيف لكم أبلغ مما قال فيكم شاعر العراق المرحوم مظفر النواب منذ عقود عدة مضت (إن زريبة خنزير أطهر من أطهركم، يا أولاد ؟؟؟).
طوبى لمن نذروا جماجمهم إلى الله، طوبى لمن كان نصره من الله، أن الحياة في جلها موقف، والإنسان في حضوره موقف، والإيمان بالله موقف، ونصرة المظلوم موقف، ويوم المظلوم على الظالم أشد وأكثر وطأة. وهو موقف الله، أليس الصبح بقريب.