المؤلفون: مجموعة باحثين
الناشر: مركز دالة لتحليل السياسات والاستشارات
توزيع: دار روافد للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت
عدد الصفحات وسنة النشر: (224 ) صفحة / 2023
عرض: د. زينب شعيب
في سياق اهتمام مركز دالة لتحليل السياسات والاستشارات بالأزمات والاحداث التي تلقي بظلالها المؤثرة على طبيعة التفاعلات في عالم يموج بها، ويشهد سيولة في توزيع القوة ومستوياتها، ونظام دولي لم يعد يستجيب لطبيعة التهديدات التي تواجهها البشرية، يصاحبه عدم قدرة الدولة المهيمنة (الولايات المتحدة الاميركية)، على ضبط مسارات التنظيم الدولي القاءم على استقلالية البلدان واحترام توجهاتها وخصوصياتها، وسعيها مع الغرب لتدجين الدول والمجتمعات وفرض اجندة غربية على واقع هذه البلدان بما يحافظ على هيمنة الغرب وسيطرته، بمقابل تطلع قوى دولية كبيرة (غير خانعة) لإعادة رسم نظام دولي جديد يحفظ لها دورها ومكانتها المستحقة، وهذا أحدث صراعاً معلناً ومخفياً، بين هذه القوى الفاعلة في المحيط الدولي، لهذا انبرى مركز دالة لتحليل السياسات والاستشارات (بغداد) عام 2022، في اقامة ندوة فكرية لجوانب الأزمة الأوكرانية وانعكاساتها على العالم، لا سيّما وأن التصعيد الغربي والأميركي الكبير بالضد من روسيا أخذ أبعاداً تنذر بمخاطر كبيرة على الأمن والاستقرار في العالم، بجانب التأثيرات الاقتصادية التي يمكن أن تحدثها هذه الحرب، مع الموجات المتتالية من فرض العقوبات على روسيا (خارج القانون الدولي)، والتي لم يسبق ان حدثت تاريخياً، من ناحية حجم وعدد العقوبات وسعتها، والهستيريا الاميركية الاوربية المصاحبة لها، والمراد منها المحاصرة والعزل التام لروسيا عن العالم، وهو بدا مؤثراً بشكل مباشر على أمن الطاقة الأوربي بشكل خاص والحبوب والاسمدة على دول عالم الجنوب.
لهذا تضمن هذا الكتاب في جزئية منه البعدين القانوني والسياسي، كذلك الأمني والطاقوي والاقتصادي وأهم الاحتمالات المتوقعة والتي ستسهم في تغير النظام الدولي الحالي، فقد تعرض هذا النظام لتغيرات عدة على مدى الحقب والمراحل التي تلت تبنيه، وأن ركائز التغير تلوح بالأفق وأنها بدأت تدور بسرعة منذ 3003 تحديداً بعد احتلال العراق، اضافة لظهور قوة جديدة حرصت على الصعود مثل الصين التي باتت تنافس الولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً وتكنولوجياً، كما ظهرت بوادر روسيا في البحث عن دور ومكانة تليق بها كقطب دولي، لذلك تزايدت دعوات الصين وروسيا وبعض من دول العالم وبضمنها مجموعة البريكس الى قيام نظام دولي جديد، وهذا ما دفع بظهور تحالفات غير معلنة تهدف لخلق محور مواجهة إزاء الغرب وقيادته (الولايات المتحدة).
ومع وجود الاحتمالات لكن تبقى أوكرانيا حافة التصادم الجيوبولتيك الغربي والروسي وقربان النظام الدولي الجديد، فهذه الحرب (من وجهة نظر روسيا) تعد مهماز لتغير خرائط العالم، طالما أن من غير الممكن إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا النووية، لهذا وظفت الولايات المتحدة الأزمة الأوكرانية لإضعاف روسيا واستنزافها ولملمة الأطراف الأوربية للسير وراءها، لاسيّما وأن أوروبا لم تتمكن منذ الحرب العالمية الثانية ولحد الأن من الخروج عن التأثير والقيادة الأمريكية لها، وبرغم مؤسسات الاتحاد الأوربي العتيدة إلا أنها فشلت في بلورة قرار أوربي مستقل، وبناء منظومة أمن للقارة بعيداً عن القوة الأمريكية؛ التي هي من مزقت القارة الأوربية خدمة لمصالحها وللعنصر الانجلو سكسوني، فكانت أدرى بمنافذ القوة والضعف في المنطقة والمرحلة، وعلى الرغم ممن ذلك لكن هناك منبثقات للحرب لم تتمكن الولايات المتحدة من السيطرة عليها أو منعها، حيث يظهر للعلن أن الصين غير متحالفه مع روسيا، لكنها تعبر عن علاقتهما بأنها شراكة بلا حدود، وتعلن بوضوح أن كلا البلدين عازمين على أنهاء حقبة القطبية الأحادية، ووضع أسس لنظام عالمي جديد تكون فيه الدولتين قطبين رئيسيين فيه، ومن جهة أخرى فأن الحرب الأوكرانية مثلت مسرحاً لاستعادة الأوزان السياسية في العالم، وإعادة تموضع التحالفات والتوازنات بين القوى الدولية، وأن الصين وروسيا يعملان بجد لنقل مركز الثقل الاقتصادي والسياسي نحو الشرق، وبرؤية تحليلية فأن دور الولايات المتحدة في أشعال الحرب الأوكرانية تعد خطيئة؛ ذلك لأن التهديد الروسي يبقى أقل حدة وأقصر أمداً من تهديد الصين .
وكرؤية استراتيجية لمن أراد أن يقف حول الدوافع والأسباب التي أدت إلى الحرب الأوكرانية، فان السعي الاميركي لضم اوكرانيا وجورجيا ومحاولات مع بلاروسيا لحلف شمال الاطلسي، تمثل إقامة حصار حديدي لحبس روسيا وخنقها برياً وبحرياً، وهو ما كان دافعاً رئيساً للحرب، كما اعتبرت روسيا أن ترحيب حلف الشمال الاطلسي بانضمام أوكرانيا وبلاروسيا وجورجيا هو تهديد صريح لأمنها القومي، ترافق هذا مع ارتفاع مستوى التنسيق والعلاقات الامنية ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا بشكل غير مسبوق، والذي بدأ يزيد مخاوف روسيا لكونه يعد تهديداً امنياً مباشراً لها، وهذا الحال دفع روسيا لوضع استراتيجية للتعامل مع هذا التهديد الوجودي لها، وبالتالي فأن روسيا تعول كثيراً على ان مخرجات الحرب من شأنها أن تقود الى انعطافة كبيرة في مسار علاقاتها الدولية لإرساء نظام دولي جديد تنهي به عصر الهيمنة الأمريكية، واستعادة الدور الروسي المفقود، وأنها ستكون شريك حقيقي في تحديد مسار العلاقات الدولية، وستشكل نوع جديد من التفاهم الدولي يؤدي إلى ولادة محور موازي للقطب الأمريكي .
أما من الناحية الاقتصادية فقد كانت التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي بصورة عامة، والاقتصاد العراقي خاصة من خلال مجموعة من المؤشرات، التي فرضت حضورها في هذه الأزمة، ومن أهمها (النفط، الغاز، الأمن الغذائي، معدلات النمو الاقتصادي، التجارة الخارجية، الهجرة، الخدمات)، ومن المؤكد أن تأثيرات الطرف الروسي ستكون كبيرة على قطاع النفط العالمي، والغاز الطبيعي الروسي، إذ أن روسي تصدر عبر ثلاث خطوط أنابيب رئيسة الطاقة إلى أوروبا، أما الأمن الغذائي وتأثره بالأزمة فقد أدت الى ارتفاع اسعار الغذاء في السوق الدولية، وتعطيل نظام أنتاج الغذاء على مستوى العالم، وارتفاع أسعار الأسمدة وعدد كبير من المنتجات الغذائية، إما النظام المالي فأنه تعرض لتأثيرات غير متوقعة، حيث أن الاقتصاد العالمي بأكمله بات يعاني من تباطؤ النمو وزيادة مستويات الاسعار، ومن الملاحظ أن أكبر المتضررين من الحرب الأوكرانية هي ألمانيا، بينما كان أكبر المستفيدين هي الدول المصدرة للنفط في الشرق الاوسط، وبحسب التوقعات فأن الدول النفطية سيكون لديها فوائض في الميزانية للمرة الأولى منذ 2014، وقد حدث نمو للاقتصاد السعودي بنسبة 9.9% وهو أعلى معدل نمو في عقد من الزمان، بينما كانت قطر قد تعهدت بتقديم نصف أجمالي طاقتها من الغاز الطبيعي الى أوروبا .
وإما العراق فمن المؤكد أنه سيتاثر بالحرب الروسية ـــــ الأوكرانية، وسترمي بظلالها على على الاقتصاد العراقي، لتشكل أثار مباشرة أيجابية: تتمثل ب(ارتفاع اسعار النفط، تزايد الاحتياطات النقدية) وأثار مباشرة سلبية: تتمثل ب(ارتفاع معدلات التضخم، انسحاب الشركات الروسية العاملة في العراق)، واثار أيجابية غير المباشرة: تمثل (نمو الناتج المحلي الاجمالي، التسريع في سداد الديون)، كذلك أثار سلبية غير المباشرة: (ارتفاع معدلات البطالة، تسرب العملة الصعبة الى الخارج).
وبشكل عام تمثل أهم مخرجات الحرب الاقتصادية في:
- تغيرات جذرية في اتجاهات التجارة العالمية في الغذاء والطاقة .
- ظاهرة البترو- روبل : والتي تمثل ضوابط مالية جديدة تحد من الهيمنة الأمريكية.
ويخلص الكتاب في خواتيمه إلى مجموعة من التوقعات أهمها:
- ستساعد الأزمة الأوكرانية في فقدان الولايات المتحدة الأمريكية مركزها لصالح الصين.
- ستتبوء الهند المرتبة الثالثة عالمياً .
- من المتوقع أن يكون لدول منظمة (اوبك بلس) دوراً محورياً في المنظومة الاقتصادية الجديدة .
- كل المعطيات الدولية تشير الى أن العالم سيخضع للتعامل مع منظومة جديدة من العلاقات الاقتصادية الدولية بعد انتهاء الأزمة الاوكرانية ترتكز على التعددية القطبية .
وبالنسبة للوضع الطاقوي الجديد في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاساتها المستقبلية على وسوق الطاقة العالمي، فسيتأثر السوق بعد الحرب من الناحية الاقتصادية بجانبين الأول: حجم تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على أسواق الغاز الأوربي، والثاني: مكامن تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا في أسواق الطاقة العالمي، ومن الملفت أنه مهما حاولت الولايات المتحدة وأوروبا من أيجاد بدائل لتعويض حصة روسيا من الانتاج العالمي للطاقة أو اعتمادها قانون نوبك للتحكم بالانتاج والأسعار، وتقييد دول اعضاء اوبك من التحكم بمواردها، فأنها لن تنجح وأن العقوبات الشديدة على روسيا سوف تنعكس سلباً على معظم دول الاستهلاك النفطي، وأن هذه الدول ستواجه عسر مالي لمواجهة أوضاع الطاقة الجديدة .. وأنه من المتوقع أن تسيطر الفوضى والارباك على آلية سوق الطاقة العالمي .
كما يسلط الكتاب الضوء على الحرب الأوكرانية من الناحية الإعلامية حيث تميزت بالدعاية والتي كان لها دور كبير في الحرب الأوكرانية- الروسية وقد تم رصد ثلاثة عشر وسيلة إعلامية تم استخدامها ومثلت حرب الاخبار والتصريحات والتضليل .
وقد تم ختام الكتاب برؤية مركز دالة لتحليل السياسات والاستشارات والتي نلخص ما يلي:
- إن انشغال الولايات المتحدة والدول الأوربية بالحرب الروسية- الأوكرانية، يمثل فرصة متاحة لدول العالم، في التمتع بفرصة التقاط الانفاس من الضغط الغربي .
- إن انتصار روسيا يعني تغير لقواعد العالقات الدولية وبناء نظام دولي جديد، وأجبار الولايات المتحدة الأمريكية على قبول التعايش مع أقطاب كبرى تتشارك معها في إدارة العالم .
- إن الجزء الحامل لثقل الهيمنة الأمريكية واعطاءها القوة على الأرض هو الدولار الأمريكي . لذلك تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية كل من يدعوا إلى نبذ التعامل بالدولار عدواً مباشراً لها .
- إن الحرب الروسية الأوكرانية هي جزء من تفاعلات العالم، صوب ايجاد نظم وترتيبات دولية جديدة.
- إن المصاحبة ما بين (الدولار وتوما هوك والديمقراطية) هي الثلاثية الأمضى في تثبيت ركائز السلطة الأمريكية القائمة حالياً على العالم .
- تم جعل أوكرانيا (أرضاً محروقة ومقبرة) ثمناً للحفاظ على الهيمنة الغربية على العالم .
- إن حقيقة العلاقات الدولية التي نظمها الغرب هي نظام (قيمومة) على الشرق، جاءت تحت زيف نشر التحضر والمدنية .
- إن الثابت في العلاقات ما بين الشرق والغرب بين البلدان الغنية وبين البلدان التي جرى أفقارها، هو القوة التصويتية للولايات المتحدة الأمريكية في صندوق النقد الدولي، وقرارات G-7) (، وغزوات حلف الناتو، والفيتو في مجلس الأمن، والسلاح النووي الأمريكي الفرنسي والبريطاني، والعملتين اللتين تتحكمان بالمالية العالمية (الدولار- اليورو)، هذه هي المساند الحقيقة لطبيعة العلاقات مابين دول العالم .
- من مصلحة العراق الاستراتيجية أن يكون العالم متعدد الأقطاب، حتى يتاح لصانع القرار ومتخذه الكثير من المرونة، في اختيار المسالك والنياسم التي تخدم مصالح العراق وشعبه ومستقبله .