المؤلفون: د. منى حبيب العبيدي – الاستاذ الدكتور اخلاص قاسم نافل
الناشر: مركز دالة لتحليل السياسات والاستشارات
توزيع: دار روافد للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت
عدد الصفحات وسنة النشر: صفحة 2023
عرض: د. زينب شعيب
يختص هذا الكتاب في أكثر الموضوعات التي يجري الاهتمام بها من قبل القوى الكبرى في العالم بالدرجة الأساس، لكونها تتعلق بطبيعة التنافس المحتدم بقوة ما بين القوى الغربية، التي ظلت تسيطر على هذه الممرات المائية ردحاً طويلاً من الزمن، وأنشأت نظم سياسية تدين لها بالولاء، فضلاً عن إقامة قواعد بالقرب منها للسيطرة العسكرية وإمكانية التحكم فيها عند نشوب أيّ صراع. وما بين القوى الشرقية (الصاعدة) دولياً وإقليمياً والتي تتطلع الى تحسين موقعيتها في النظام الدولي، لهذا يمكن القول بوضوح أن متضمنات هذا الكتاب كما سعى مؤلفيه لبيانها، تقع في اختصاص جيبولتيك الطاقة الاحفورية (الهيدروكاربونية) كأحد مصادر الطاقة التي تشغل صناع القرار الاستراتيجي والاقتصادي على حد سواء للبلدان المتقدمة أو المهيمنة في النظام الدولي والبلدان الصاعدة أو المنافسة لها.
وتدخل أهمية الممرات المائية ضمن منظومة التفكير الجيوبولتيكي في الثنائية المعروفة عند ذوي الاختصاص ثنائية (قوى البر بمقابل قوى البحر) أي القوة البرية والقوة البحرية بحسب نظرية (هالفورد ماكندر)، واختار الغرب مبكراً منذ عهد الامبراطورية البريطانية خيار القوة البحرية ثم لحقتها الولايات المتحدة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، لهذا فأن الغرب يعول كثيراً على قوة البحرية ثم أدخلت الولايات المتحدة اليها قليلاً الاهتمام بالمناطق الساحلية التي تكون مطلة على المفاصل البحرية أو مطلة عليها (نظرية بيكولاس سبيكمان).
والكتاب توزع على أربعة فصول تحتضن مباحث عدة تراوحت ما بين تقديم عرض فكري متزاوج ما بين أهمية الممرات وممكانتها في الجغرافيا الطبيعية والمكانة الجيبولوتيكية التي تتوسم بها هذه الممرات من حيث مسارات التجارة العالمية بركنيها (السلعي/ البضائعي والطاقوي) بجانب العسكري وحركة الأساطيل الحربية للدول العظمى في العالم.
كذلك جرى الاهتمام بالسياسات الدولية المعتمدة لضبط أمن الممرات المائية فيما يختص بموارد الطاقة، من دول الإنتاج وحتى الأسواق العالمية المتوزعة غرباً وشرقاً، بما يضمن امدادات الطاقة بشكل ميسر وسلس، وما يرافق ذلك من مخاوف تترتب على فرص أغلاقها أو شل الحركة من خلالها، فالممرات المائية هي في التوصيف (خوانق بحرية)، يمكن للدول المتشاطئة عليها من القرار على تقييد الحركة فيها وحتى غلقها، مما يمثل شل الحركة التجارية في الكثير من مناطق العالم.
ويذهب المؤلفان إلى التركيز على بيان المكانة التي يحظا بها مضيق هرمز كعقدة اتصال بحري بين الخليج وبين بحر العرب والبحر الهندي، إذ يستلهم جزءاً مهماً من مكانته نتيجة وجود مناطق أنتاج النفط والغاز الطبيعي في أكثر بقع العالم أهمية في إمدادات الطاقة العالمية، فالمنطقة تحتضن ما يقارب (57%) من احتياطيات النفط في العالم وأقل منها في الغاز الطبيعي، وأكبر دول أوبك من حيث الإنتاج، ففي قطاع النفط توجد السعودية والعراق كأكبر المنتجين من النفط في المنطقة، فيما تعد إيران وقطر من أكبر منتجي الغاز الطبيعي، وهذه وفرت لمضيق هرمز مكانة جيو استراتيجية في ميدان الطاقة حيث يمر من خلاله الى السوق العالمية (ثلث صادرات النفط) وما يقارب (28%) من ناقلات الغاز المسال.
ومن المناسب الاشارة إلى أن المخزون العالمي للطاقة، يتركز وبنسبة )90%( منه في أربعة عشر بلداً هي (السعودية، العراق، الامارات العربية المتحدة، الكويت، إيران، فنزويلا، روسيا، المكسيك، الولايات المتحدة، ليبيا، الصين نيجيريا، النرويج، المملكة المتحدة)… وبالتالي نفهم أهمية آسيا الوسطى والشرق الاوسط، وهو ما يفسر الانتشار العسكري والتدخلات المستمرة من جانب الولايات المتحدة، التي ترمي لاحتواء منافسيها عبر السيطرة على منابع النفط، وأنشاء القواعد العسكرية .. فهي تحاول أن تجعل مصادر الطاقة سلاح ضد منافسيها في تلك المناطق وفق المعادلة التالية (من يسيطر على الشرق الاوسط وآسيا الوسطى يسيطر على النفط العالمي، ومن يسيطر على النفط العالمي، يسيطر على اقتصاد العالم، في الأقل على مدى المستقبل المنظور).
لهذا تتجلى أهمية مضيق هرمز من طبيعة الاستراتيجية الأميركية، التي تعد مضيق هرمز وامدادات الطاقة من منطقة الخليج نحو العالم، أمراً يدخل في مضمون الأمن القومي الأميركي، لكونه جزء من استراتيجيتها لاحتواء القوى المنافسة معها في النظام الدولي من مثل الصين، كما أن استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية ظلت تحمل ثباتاً وامتداداً على منع الروس من الوصول إلى المياه الدافئة، كما كان الحال مع الاتحاد السوفيتي سابقاً، لأنها تعدها منطقة نفوذ أميركي- غربي بامتياز، لهذا نلحظ وجود قواعد عسكرية في معظم دول المنطقة (عدا إيران)، في المجال ما بين باب المندب ومضيق هرمز، وهذا يعود لما أطلق عليه مبدأ كارتر، الذي أباح للولايات المتحدة حتى التدخل عسكرياً لضمان أمدادات الطاقة. وبهذا يكون مضيق هرمز واحداً من أهم عقد الاتصال البحري بين قارات أوروبا- آسيا- أفريقيا، بل هو عقدة شريان الطاقة العالمي بلا منازع، وترتقي أهميته إلى الغرب لمستوى مضيق ملقا للصين ومضيق بنما لأميركا. ويتمتع هذا المفصل البحري الحيوي بأهمية جيبولتيكية، كونه:
- يتمتع مضيق هرمز بموقع جغرافي استراتيجي ويعد الممر المائي الأكثر أهمية في نقل امدادات الطاقة العالمية، وأهم خطوط الملاحة في الخليج والشرق الاوسط.
- يعد مضيق هرمز أحد مناطق التي يدور حولها الصراع الدولي (شرق- غرب). بغية حرمان الدول الصاعدة المناوئة للغرب من الطاقة أو التضييق على تجارتها ونعني الصين.
- يعاني مضيق هرمز ومنطقة الخليج من الصراعات الإقليمية، حيث تسعى كل من تركيا وإيران والسعودية لأداء أدوار إقليمية كبرى تراها متناسبة مع ما تمتلكه من قدرات جيوسياسية واقتصادية وعسكرية.
- تعد إيران الدولة الأكثر أطلالاً على مضيق هرمز والأكثر قدرة على التحكم فيه، وهي الدولة الوحيدة القادرة على غلق المضيق لما تمتلكه من قوة بحرية مقارنة بالدول الأخرى في الخليج.
- يعد غلق مضيق هرمز أحد الأوراق التي توظفها إيران ضد الولايات المتحدة نتيجة العقوبات التي فرضتها عليها بسبب برنامجها النووي.
- غلق مضيق هرمز يحول أربع دول من المطلة على شواطئ الخليج إلى دول حبيسة وهي (العراق، الكويت، قطر، البحرين).
- عند غلق مضيق هرمز سوف تنخفض امدادات الطاقة في العالم، ويجعل سعر برميل النفط ما بين عند (200) دولار أو أكثر.
لذلك لا توجد منطقة جغرافية قادرة على منافسة منطقة الشرق الاوسط وتحديداً منطقة الخليج بما تمتلكه من مصادر طاقوية (النفط والغاز الطبيعي)، مما جعلها مركز للتوتر والتنافس والصراع دولي بين القوى العالمية لمحاولة السيطرة على هذه الثروات. كذلك فأن منطقة آسيا والباسفيكي تحتضن دولاً أهمها (الصين، الهند، اليابان، ماليزيا، إندونيسيا، سنغافورة، كوريا الجنوبية) هي دول صناعية وقوى اقتصادية صاعدة وتعد (قاطرة النمو الاقتصادي في العالم)، كونها ذات كثافة سكانية عالية، واقتصادات مستهلكة للطاقة، وهي الوجهة الحقيقية لنفط الخليج، وأن أيّ تراجع في امدادات الطاقة سيعرض هذه الدول والعالم إلى أزمات كبيرة ويهدد أمنها الطاقوي، لاسيّما وأن بعضاً منها تعد دول (متحالفة/ أو خاضعة) للإرادة الأميركية من مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
كما أن لمضيق هرمز أهمية اقتصادية كبرى فهو ممر للتجارة لكل أنواع السلع، وأبرزها النفط والغاز الطبيعي والمشتقات والسوائل البترولية، وعلى النحو الآتي:
- يعبر المضيق ما يقارب (50%) من النفط والغاز وملحقاتهما.
- تمثل شحنات السلع الأولية التي تعبر المضيق مثل الحبوب وخام الحديد والاسمنت ما نسبته 22%، وتنقل عبر الحاويات ما نسبته 20% من السلع النهائية كالسيارات والمعدات والاجهزة.
- يعبر يومياً ما يعادل 17 مليون ب نفط من خلال مضيق هرمز، وبنسبة 90% من النفط السعودي و89% من النفط العراقي و99% من النفط الإماراتي و100% من النفط الكويتي و100% من الغاز القطري.
- تدخل إلى دول المنطقة من خلال مضيق هرمز واردات الشركاء التجاريين ومنها (22%) من الصين، و(18%) من دول الاتحاد الأوربي، ثم اليابان بنسبة (14%) وكوريا الجنوبية بنسبة (10%).
وفي خواتيم هذا الكتاب يذهب المؤلفان إلى بيان مشاهد مفترضة ومشروطة لوضع الممرات المائية في القابل من العقود القادمة، في ظل تصاعد التنافس الدولي والسعي لتعديل النظام الدولي القائم، مما يجبر الولايات المتحدة الأميركية على السعي بكل قوتها للتشبث بكل المكاسب التي حصلت عليها في منطقة الخليج وعموم المنطقة العربية، بما فيها بقاء قواعدها العسكرية وضمان النظم السياسية المتحالفة معها، ومحاولة عدم دفع الأمور صوب أغلاق مضيق هرمز من خلال الاحتكاك العسكري مع إيران والمحافظة على قواعد اشتباك محددة. في ظل وجود ردع متقابل وأن كان غير متناسب. إذ بإمكان إيران أن تطال معظم المصالح والقواعد الأميركية في المنطقة مما يجبرها على تخفيف وجودها شيئاً فشيئاً، مما يشجع روسيا والصين على ملئ الفراغ بسرعة وقوة. وهو ما تحرص الولايات المتحدة على عدم تقديمه كفرصة لمنافسيها الأكثر جرأة في تغيير قواعد اللعبة العالمية.
إن الاحتمال الاكثر تحققاً في الاجل القريب والمتوسط والبعيد هو الاتي:
- في المدى القريب: لن يكون بمقدور الولايات المتحدة فتح جبهة حرب مع إيران في الوقت الحاضر في ظل تراجع مكانتها ووجود قوى دولية فاعلة من شأنها التأثير في ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما يجعل الولايات المتحدة تستبعد هذا الخيار لاسيما وأن المنطقة ستشتعل برمتها، ولن يكون مضيق هرمز هو المضيق الوحيد الذي سيغلق، بل أن احتمالية غلق مضيق باب المندب راجحة، كما أن القوى المساندة لإيران متوزعة في مختلف المناطق، ومن شأنها التعرض على المصالح الأميركية وحتى الغربية بيسر وسهولة.
- 2- في المدى المتوسط: تعول الولايات المتحدة على ترتيب أوضاع المنطقة لصالح وجود قوى إقليمية قائدة (متحالفة/ متعاونة) معها، مما يجعل إمكانية مصالح الولايات المتحدة وحلفاءها مضمونة ومؤمنة تماماً، لهذا يذهبون صوب تنويع مشروعات نقل الطاقة إلى مختلف الاتجاهات وبعيداً عن مصادر التهديد.
- 3- في المدى البعيد: سيكون التصادم لا محال منه لارتفاع مستويات القوة لدى إيران وبموازاتها يرتفع حضور القوى الصاعدة في المحيط الدولي، يقابل ذلك زيادة مساحة تأكل ممكنات القوة الأميركية وستكون الولايات المتحدة إزاء خيار أما الانسحاب التام من المنطقة وتركها، أو إحداث الصدام مع القوة الإقليمية التي تسعى لتقويض وجودها.
ان احتمال تصاعد حدة التنافس الدولي اتجاه منطقة الخليج لاهميتها في تامين مصادر الطاقة ومضيق هرمز كونه المعبر الرئيس لنقل هذه المصادر ، ويعد هذا الاحتمال هو الارحج تحقيقا في ظل تزايد حاجة القوى الدولية لمصادر الطاقة من نفط وغاز طبيعي لتلبية الطلب العالمي المتنامي وعدم توفر البدائل خاصة على المدى المنظور او المتوسط في ظل الازمة الاوكرانية ، فضلا عن وجود بوادر لتسوية الملف النووي الايراني ما سينعكس على استقرار البيئة الامنية في منطقة الخليج وحتى وان لم تتم تسوية الملف النووي فان زيادة الطلب مقابل محدودية الموارد الطاقوية وعدم وجود البدائل كفيلة بتحقيق هذا الاحتمال ,