أ.د. عبدعلي كاظم المعموري
يتماثل تاريخ إسرائيل مع تاريخ الولايات المتحدة، في أن كلا البلدين هما نتاج الهجرات والاستيطان وتزييف السرديات التاريخية والدينية، والتمحلق بالتسميات ذات الدلالة في التوراة، لأكسائها طابعاً دينياً وإيصالها حدود الوعد ووجوب التحقق، حتى أن المستوطنين الأوائل لأميركا وما جرى تسميتهم الآباء القديسين الحجاج، قد أطلقوا عليها (أرض كنعان الجديدة) أو(إسرائيل الله الجديدة)، ويشتركان معاً في أنهما يستقيان مصادر العنف والقتل والابادة للأخر من أسفار التوراة، فالأخر في العقل التوراتي هو (غوييم = حيوان)، ولكن الله خلقه بهيئة أنسان لكي يكون لائقاً بخدمة اليهود، وهذا يعارض مشيئة الله في الخلق (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات- الآية 56)، وليس لخدمة اليهود، لهذا أطلق قادة الكيان الصهيوني هذه الكلمة على شعب غزة، بكونهم حيوانات لابد من قتلهم، هذا ما مثبت عندهم في كتبهم وفي عقولهم ويمارسونه مع الأخر، حتى وأن كان مطبعاً وذليلاً وخادماً، فهو في النهاية (غوييم).
الأمر الأخر أن محق الأخر كبيراً أو صغيراً رجل أو امرأة، هو منهج لا جدال أو مناقشة فيه، ولا فيه عودة لقوانين أو ما يطلق زوراً (حقوق الإنسان)، إذ يرد في سفر أرميا كلمة سحق للشعوب الأخرى (9) مرات من الآية (19- 24)، وهو ما يعطي هذه العبارة مدلولاتها العنفية والإبادية، ويرد فيه (وَأُرْسِلُ عَلَيْهِمِ السَّيْفَ وَالْجُوعَ وَالْوَبَأَ حَتَّى يَفْنَوْا عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ وَآبَاءَهُمْ إِيَّاهَا)، هذا طبقه بحذافيره البيورتانيين المسيحيين المتصهينين ضد الهنود الحمر، وقتلوا ما قتلوا فيهم حتى أفنوا شعوبهم كاملة، والتي قدرت ما بين (100 -112 ) مليون من السكان الأصليين لما تسمى الآن أميركا .
وبالعقل القيامي نفسه يمارس الصهاينة الابادة بحق شعب فلسطين، مثلما كان يرى المستوطنين الأوائل لأميركا، بأن الهنود الحمر وحوش يجب اجتثاثهم، فأن البرنامج نفسه يطبقه أحفادهم في فلسطين، ففي سفر التثنية – الاصحاح 12 (أحرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار). وفي سفر العدد، الاصحاح 17 (فَالآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الأَطْفَالِ. وَكُلَّ امْرَأَةٍ عَرَفَتْ رَجُلًا بِمُضَاجَعَةِ ذَكَرٍ اقْتُلُوهَا)، هذه العقلية القيامية يريدون من البشرية قبولها والادعاء أنها جاءت من الرب، ومسوغين أن الرب أمرهم بقتلهم لضمان عدم عودتهم لقتالهم .
وفي كل الاجتياحات الواردة في الأسفار اليهودية الخمسة يسلم الرب (يهوه) الممالك إلى الإسرائيليين، وهذا الحجم من الابادة الجماعية التي يعترف فيها التوراة لبني إسرائيل، لا يتم التوقف عندها وهي تتجاوز الهولوكوست الذي أشنفوا أذان العالم به وجعلوا أنكاره جريمة .
لن تهتز مشاعر الإدارات الأميركية أو الغربية، فجميعهم مارسوا تلك القسوة وأكثر، ويجدون الاعذار ومختلف السرديات المخالفة للعقل والمنطق لفرضها على العالم، أقتنع أم لم يقتنع؟ لا يهمهم ذلك مطلقاً؟ طالما أنهم ينفذون جرائمهم كما يحلوا لهم، وإذا ما ظهر خلاف ما أعلنوا، فأنهم يعتذرون عن ذلك بعدما يتركون مواقعهم في مركز القرار، لهذا فأن بايدن سيعلن يوماً عن أسفه، لأنه صدق الحكاية الإسرائيلية وتبنى عملياً قتل الأطفال الفلسطينيين، مثلما تأسفت مادلين اولبرايت عن قتل أطفال العراق بسبب الحصار.
إن الفهم الغربي (الأميركي – الأوروبي – الإسرائيلي) للأخر من البشرية، أنهم مجرد أرقام واحصاءات، عبر عنه ستالين بقوله أنهم يعدون موت شخص مأساة، وعندما يموت مليون فهم مجرد إحصائيات، لذلك يبدو طبيعياً أن يشكك الرئيس الأميركي بأعداد القتلى الفلسطينيين، الذين شاركت بقتلهم قوات الدلتا الأمريكية والمرتزقة ونخب القوات الخاصة الفرنسيين والإيطاليين وغيرهم الأوربيين، طالما أن سليلي الحضارة الابادية من الأمريكان والأوربيين يؤمنون بالمليار الذهبي للبشرية، وعندئذ لا مانع من التخلص من (7) مليار أنسان، لكون ذلك يعد طبيعياً للحفاظ على الحضارة الغربية.
ولا أجد ما أختم به أمضى مما قاله أحد زعماء الهنود الحمر لجورج واشنطن عام 1792: (عندما يذكر أسمك تلفت نساؤنا وراهن مذعورات، وتشحب وجوههن، إما أطفالنا فيتمسكون بأعناق أمهاتهم خوفاً). هذا التوصيف لم يتغير منذ عام 1792 وإلى عام 2023، فأطفال غزة يتمسكون بأعناق أمهاتهم أيضاً، فالقاتل نتنياهو هو حفيد جورج واشنطن في أبادة الأخر، وكأن التاريخ يعيد نفسه ليجسد مأساة جديدة، مع حضارة التفوق العرقي الغربية القائمة على منهج أبادة الأخر. أذن هم جميعاً (قتلة العالم).