أ.د. عبدعلي كاظم المعموري
إن اجتماع العرب في مؤسسة أسموها الجامعة العربية، أريد منه التنسيق والتعاضد وتنظيم التعاون والمواقف كما ورد في بيان تأسيسها، ولكي تكون معبرة عما تطمح إليه الشعوب العربية، وأن تكون منصة كبرى للدفاع عن مصالح هذه الشعوب وضبط العلاقات العربية – العربية، وبالرغم من أنها أقيمت ليس بإرادة شعبية عربية خالصة، فأنها باتت عنوان يمثل كل هذه الدول التي تسمى عربية.
هذه الجامعة التي يمتد تاريخ ممارستها على ما يزيد من سبعة عقود ونيف، 70 عاماً، وبكل مؤسساتها السياسية والاقتصادية وباتفاقياتها (اتفاقية الدفاع المشترك)، ومواقفها من كل الأزمات والأحداث التي طالت الأعضاء والمنطقة، لم تبرهن يوماً عن موقف صلب وملزم وشجاع، ولم تقم وزناً لشعوبها ، بل لم تحترم ارادة هذه الشعوب واتخذت في مواضع ومواقف كثيرة قرارات واعتمدت اجراءات بالضد من ارادة هذه الشعوب، مما يجعلها غير معنية باحترام الارادة الشعبية التي هي المصدر لتلاقيها في مؤسسة جامعة تعبر عن مطامحها.
وبالمقابل فقد باتت الشعوب العربية لا تحترم هذه الجامعة ولا تقيم وزناً لها، ولا لشخوصها ولا اجتماعاتها ولا مواقفها ولا قممها؟ ولا تكترث بها؟ بل ولا تترجى منها مواقف مسؤولة ورصينة. لهذا أعطت الشعوب العربية الحق لنفسها في أن توصفها بشتى الأوصاف ومنها: (المترهلة – والخانعة – والخائنة – والمدلسة – والمنبطحة – والمرتهنة … الخ)، وعندما تكون أعلى مؤسسة عربية بهذه الأوصاف، فأن هناك شيئاً منهجياً خاطئاً في طبيعة عمل هذه المؤسسة، وعند عمل حساب لما أنفق (تكاليف) من مليارات من الدولارات كرواتب وسفر وفنادق ومقرات ومكاتب وممثلين وسفراء وموظفين وسيارات؟ وبين عدد القرارات التي اعتمدتها الجامعة وجرى تطبيقها، والتي تركت أثراً وعائداً (حتى وأن كان معنوياً) على الشعوب العربية، نجد أن الشعوب قد خسرت أموالها في جامعة لم تستطع أن تحل أي مشكلة بين دولة عربية وأخرى، أو ترفع التبادل التجاري بين العرب أنفسهم وعلى مدى أكثر من (70) عاماً بأكثر من (10%).
عندئذ لابد من الدعوة إلى إعادة النظر بوضع الجامعة العربية، في مختلف المجالات من نظامها إلى مؤسساتها وأساليب عملها وأدواتها، وإذا كانت بعض الدول لا تريد طرح ذلك من مثل مصر (الدولة المستفيدة منها)، أو الدول الخليجية لكونها مبكراً ذهبت إلى تنظيم موازي (مجلس التعاون)، والذي فيه تصوغ مصالحها بشكل محدد؟ .
ليس الأمر كله يمكن أن يلقى على عاتق الجامعة العربية كبنية، فالجامعة تستمد جزءاً كبيراً من قوتها، بناءاً على مواقف الدول العربية وفاعليتها في اعتماد قرارات تعبر عن هموم ومصالح شعوبها. وعندما تصبح بعض هذه الدول ألغام في الجامعة أو مجسات للولايات المتحدة أو أذراع لها، وتسحب قرارات الجامعة باتجاه خدمة السياسة الأميركية وتوجهاتها، فأن هذه الجامعة تصبح (وكراً) لصياغة قرارات لتدمير الدول الاعضاء غير المرغوب بهم أميركياً أو غربياً أو خليجياً، وشواهد ذلك في قرارات الجامعة ومواقفها بضغط أميركي عبر دول الخليج في الحالة (العراقية والليبية والسورية واليمنية وحتى الفلسطينية).
وبإزاء عجز هذه الجامعة، التي لا تستطيع أن تنهض بأي عمل يخدم مصالح اعضاءها أو شعوبهم، فأن بقاء بعض الدول التي ترى في أن الجامعة قد تم مصادراتها، لصالح قوة عالمية أو دول خليجية، يعد أمراً غير مناسباً وغير مبرر، واستسلاماً طوعياً لهذه الارادات بكامل الرضا، ومن دون ذلك عليها إعادة دراسة وضع هذه الجامعة في ضوء صناعة القرار فيها، والتوجه إلى مراجعة عضويتها فيها.
وأعتقد بشكل تحليلي بأن الجزائر بما عرفت من توجهات مبدئية وعروبية ومناصرة للقضية الفلسطينية، ومراقبة الألاعيب الأميركية – الصهيونية – الأوربية وأدواتهم، أنها ستكون في طور أنضاج تقييم لعضويتها في هذه الجامعة، كذلك سوريا بعد أن تتعافى، وربما دول أخرى.
إن التقييم الموضوعي المتجرد لدور الجامعة العربية، يؤشر بوضوح إلى أن هذه الجامعة فشلت فشلاً ذريعاً، مرة لأسباب ذاتية، وأخرى موضوعية بسبب طبيعة نظم الحكم العربية وارتباطاتها، لهذا لا يمكن الاقرار المطلق على أن هذا الجامعة هي تعبير عن مصالح الشعوب العربية المنضوية دولها تحت قبتها، مما يجعل البقاء فيها لا طائل فيه، ولا خيراً يرتجى منه. ويمكن للدول الراغبة في الخروج منها أن تذهب إلى تنظيمات دولية أخرى يمكن أن تكون بديلاً نسبياً عنها، على الأقل في ميدان العلاقات الاقتصادية، أو تنسيق المواقف، في ظروف أفضل وأقل كلفة وأكثر منفعة، كما هو الحال في البريكس، كذلك يمكن للجزائر أن تعزز علاقاتها الأفريقية في المؤسسات القائمة أو تستحدثها. ويمكن للعراق أن يقود على الشاكلة نفسها منظومة للتعاون مع تركيا وإيران وسوريا ولبنان .